مُنظمة أوبك تنجح مؤقتا في التأثير على مُنتجي النفط في الولايات المتحدة

قامت الشركات الأمريكية بإبطاء جزء من أعمال الحفر، بسبب إنخفاض اسعار النفط العالمية، في إشارة إلى أن حرب الأسعار عالية المخاطر التي تشنها منظمة أوبك بدأت تؤثر على هذا القطاع الحيوي في الولايات المتحدة، لكن على المملكة العربية السعودية بذل جهود أكبر بكثير لإحداث تأثير دائم على حصتها السوقية من النفط.
أحدث مُنتجو النفط الأمريكيون انقلابًا في السوق العالمية في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث أتاحت لهم تقنية الحفر بالتشقيق الهيدروليكي المُبتكرة بواسطة الشركات الإمريكية استغلال تكوينات الصخور الحاوية على نفط في مناطق شاسعة، لايمكن إستخراج النفط منها بالطرق التقليدية، ونتيجةً لذلك، أصبحت الولايات المتحدة، التي لطالما كانت أكبر مُستهلك للنفط في العالم، أكبر مُنتج له إعتبارًا من عام 2018، حيث تضخ حاليًا حوالي 13.5 مليون برميل يوميًا، أي حوالي 13% من الإمدادات العالمية.
لطالما أثار إرتفاع إنتاج النفط الأمريكي حفيظة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي شهدت حصتها السوقية تآكلًا مُطردًا على مدى العقدين الماضيين.
سعت المملكة العربية السعودية، القائد الفعلي لمنظمة أوبك، في عام 2014 إلى الحد من إرتفاع الإنتاج الأمريكي عبر إغراق السوق بالنفط الرخيص، وقد أدى هذا الجهد إلى إفلاس عدد من مُنتجي النفط الصخري، لكنه لم يُوقف زيادة الإنتاج إلا مؤقتًا، مع تكيف الشركات مع انخفاض الأسعار وتوحيد الصناعة.
يمثل إنتاج النفط في حوض برميان ما يقرب من نصف إجمالي إنتاج النفط الأمريكي.
تحاول السعودية وحلفاؤها، المجموعة المعروفة باسم أوبك+، الآن إعادة النظر في الأمر، فقد فاجأوا السوق في وقت سابق من هذا العام بإعلانهم أنهم سيُلغوا بسرعة تخفيضات الإنتاج البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا التي تم تطبيقها في عام 2024، ومن المتوقع أن تُعلن المجموعة عن زيادات أخرى في الإنتاج في وقت لاحق من هذا الأسبوع، للأشهر حزيران وتموز /2025.
انخفضت أسعار النفط الأمريكي القياسية بنحو الربع منذ كانون الثاني/يناير 2025، إلى حوالي 61 دولارًا للبرميل، استجابةً لاستراتيجية مجموعة أوبك+، بالإضافة إلى المخاوف بشأن الحروب التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عند هذه الأسعار، لا تُحقق العديد من آبار النفط الصخري أرباحًا، إذ يتطلب مُستخدمي التشقيق الهيدروليكي سعرًا للنفط يتراوح بين 61 و70 دولارًا للبرميل لتوسيع الإنتاج، وفقًا لمسح أجراه مصرف الاحتياطي الفيدرالي في دالاس.
وبالفعل، إستجاب المستخدمون في هذا المجال بالفعل بتقليص أنشطة الحفر للحفاظ على السيولة.
انخفض عدد منصات الحفر النفطي البرية (Onshore ) في الولايات المتحدة بمقدار ثماني منصات ليصل إلى 465 منصة الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وفقًا لشركة خدمات الطاقة بيكر هيوز.
الأهم من ذلك، أن شركات الحفر في حوض بيرميان في غرب تكساس وشرق نيو مكسيكو، الذي يُمثل ما يقرب من نصف إنتاج الولايات المتحدة، خفضت عدد منصات الحفر بثلاث منصات، ليصل إجمالي عدد منصات الحفر إلى 279 منصة، وهو كذلك أدنى مستوى منذ نوفمبر 2021.
تحسن إنتاج النفط الخام من آبار بيرميان الجديدة، وهو مقياس للإنتاجية، بشكل طفيف في شهر نيسان/أبريل 2025، لكن هذا التحسن قابله إلى حد كبير إنخفاض في مناطق إنتاج النفط (أحواض Basin) أخرى.
وتشير مؤشرات متعددة إلى أن النشاط سيشهد مزيدًا من التباطؤ.
من المهم أن مؤشر انتشار التشقيق الهيدروليكي، الذي يقيس عدد الفرق العاملة، قد شهد انخفاضًا سنويًا بنسبة 28% ليصل إلى 186، وفقًا لشركة برايمري فيژن للإستشارات في مجال الطاقة، مما يشير إلى احتمال انخفاض الإنتاج بشكل حاد في الأشهر المُقبلة.
ومن المؤشرات الأخرى التي يجب مراقبتها الآبار المحفورة غير المكتملة (DUCs)، أو الآبار المُكتملة جزئيًا والتي يمكنها بدء الإنتاج بسرعة، مما يمنح المُشغلين مرونة في حجب الإنتاج حتى تتحسن ظروف السوق، حيث ارتفعت اعداد الآبار المحفورة غير المُكتملة بنسبة 11% منذ كانون أول/ديسمبر 2024 لتصل إلى 975 في حوض برميان.
وخفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في الأشهر الأخيرة توقعاتها لإنتاج النفط في حوض برميان.
في حين تشير أحدث البيانات حول نشاط حفر الصخري إلى أن إنتاج الولايات المتحدة سيستمر في التباطؤ، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن الانحدار.
خفّضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أيار/مايو توقعاتها لإنتاج الولايات المتحدة في عامي 2025 و2026 بنحو 100 ألف برميل يوميًا إلى 13.4 مليون برميل يوميًا و13.5 مليون برميل يوميًا على التوالي.
من المتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج حوض برميان 6.51 مليون برميل يوميًا في عام 2025، بانخفاض عن تقديراتها السابقة البالغة 6.58 مليون برميل يوميًا. ومع ذلك، سيظل هذا يمثل زيادة كبيرة عن 6.3 مليون برميل يوميًا في عام 2024.
قد تجد أوبك+ صعوبة أكبر في تحقيق تأثير مستدام الآن مما كانت عليه في عام 2014، حيث يختلف مشهد النفط الصخري في الولايات المتحدة اختلافًا كبيرًا عما كان عليه قبل عقد من الزمان.
صحيح أن 15 عامًا من الحفر المكثف للنفط والغاز قد استنزفت جزءًا كبيرًا من أكثر مناطق النفط الصخري ربحية.
مع ذلك، تبنى حفّارو النفط الصخري في السنوات الأخيرة انضباطًا إنفاقيًا أكثر صرامة، مُركّزين على إعادة القيمة للمساهمين، على عكس تركيز العقد الماضي على زيادة الإنتاج، وقد خفّض منتجو النفط والغاز الأمريكيون المستقلون حتى الآن التزاماتهم الإنفاقية المخطط لها لعام 2025 بنسبة 4% لتصل إلى 60 مليار دولار، بينما من المتوقع أن يستمر الإنتاج مستقرًا إلى حد كبير، وفقًا لشركة الاستشارات RBN Energy.
كما أن الإنتاج اليوم مُركّز في أيدي عدد أقل بكثير من الشركات، مثل إكسون موبيل وشيفرون، وقد طورت هاتان الشركتان الرائدتان في مجال الطاقة تقنيات حفر عالية الكفاءة، وتتمتعان بميزانيات عمومية قوية تجعلهما أكثر جاهزية لمواجهة أوبك.
ومن المرجح بالتالي أن تؤدي أسعار النفط الحالية إلى كبح الإنتاج الأميركي مؤقتا، ولكنها لن تؤدي إلى نوع التباطؤ الحاد الذي شهدناه في عام 2014، وسوف تحتاج أوبك+ بالتالي إلى تعميق وتوسيع حرب الأسعار الخاصة بها لعدة أشهر إذا كانت تسعى إلى تغيير توازن القوى في إنتاج النفط بشكل جذري.
(المصدر: وكالة رويترز)






